إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
87929 مشاهدة
الانتفاع برواية المجهول وسيئ الحفظ والمرسل من الحديث

والمقصود هنا أن تعدد الطرق مع عدم التشعر أو الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضمون المنقول، إذا تعددت الطرق مع عدم التشعر، الاجتماع والاتفاق يوجب العلم بمضمون المنقول، لكن هذا يُنتفَع به كثيرا في علم أحوال الناقلين.
يذكرون ذلك في تعريف المتواتر، ويقولون: إن ما رواه عدد كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه، وكان مستند خبرهم الحس؛ فهذا عدد كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.
فنحن نقول: إذا كان اثنان متباعدين في البلاد، وروى كل منهما قصة عن صحابي، علم بذلك عدم تواطئهم وعدم اجتماعهم وعدم أخذ هذا عن هذا، يقول: وفي مثل هذا ينتفع برواية المجهول وسيئ الحفظ، وفي الحديث المرسل يعني أنه يرجح بها، فيقال: هذا الحديث روي من طريق، ولكن تأيد بطريق أخرى ولو كان فيها مجهول، ومن طريق أخرى ولو كان فيها راو سيئ الحفظ، وفي طريق ثالثة ولو كان فيها مرسل، فإن هذه يقوي بعضها بعضا، تجدون في كتب الحديث أنهم يقولون: وله طرق متعددة يقوي بعضها بعضا، أو يدل على أن بعضها له أصل.
يقول: ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث، ويقولون: إن هذا يصلح للشواهد والاعتبار، يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره. إذا قرأت مثلا في كتب السنن، وجدتهم يكتبون أحاديث بأسانيد فيها انقطاع أو إرسال أو راو ضعيف، لماذا؟ حتى يتقوى بها الطريق الثاني الذي روي من طريق أخرى غير هذه الطريق، فيكون مرسلا يقوي بعضهما بعضا، أو ضعيفا يقوي بعضهما بعضا، لو علم أن هذا الضعيف ما روى عن هذا الضعيف.
يقول: قال أحمد قد أكتب حديث الرجل لأعتبره، ومثل لهذا بعبد الله بن لهيعة قاضي مصر يعني يكتب الإمام أحمد أحاديثه للاعتبار، الاعتبار هو الاستدلال بذلك على صحة الحديث، يقول: عبد الله بن لهيعة قاضي مصر كان من أكثر الناس حديثا، ومن خيار الناس، وروى عنه كثير من العلماء أحاديث صحيحة؛ ولكن احترقت كتبه ووقع في حديثه المتأخر غلط، فالذين رووا عنه أحاديث قبل أن يختلط يُحتج بهم، والذين رووا عنه أحاديث تفرد بها بعدما احترقت كتبه يتوقف فيهم، إلا إذا رويت من طرق أخرى، يعتبر بذلك ويستشهد به ويتقوى به حديث غيره.
وكثيرا ما يختلف هو والليث بن سعد الفهمي عالم مصر كان يسوى بمالك بن أنس بالمدينة يعني في زمانه كان مالك في المدينة والأوزاعي في الشام والليث في مصر والثوري في العراق أئمة الدنيا في هذا الزمان.
فالليث وابن لهيعة كلاهما في مصر فإذا اتفق أن حديث ابن لهيعة مثل حديث الليث عرف بذلك أن الليث قد حفظ، وأن ابن لهيعة قد حفظ.
يقول: كما أنهم يستشهدون ويعتبرون بالحديث الذي فيه سوء حفظ فإنهم أيضا يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم أنه غلط فيها، في أمور يستدلون بها.
يعني يقبلون أحاديث الرافع لأنها تتقوى بأحاديث أخرى، ويردون كلمات من أحاديث الثقات ويعتقدون أنها خطأ من ذلك الثقة؛ فإن الثقة قد يغلط، يضعفون كثيرا من أحاديث الثقات الصدوقين الضابطين يتبين لهم أنها غلط كيف يستدلون بها؟
يستدلون على الغلط بتتبع طرق الأحاديث، ويسمون هذا علم علل الحديث. وهو من أشرف علومهم، بحيث يكون الحديث قد رواه ثقة ضابط وغلط فيه، وغلطه فيه عُرِفَ إما بسبب ظاهر، وإما بسبب خفي. علل الحديث فن مشهور قد ألف فيه ابن المديني رسالة صغيرة اسمها علل الحديث، وألف فيه أيضا الإمام أحمد كتابا مطبوعا اسمه علل الحديث، وتوسع فيه ابن أبي حاتم وألف فيه كتابه الذي في مجلدين فيه أكثر من نحو ثلاثة آلاف حديث، كل حديث يقول: فيه علة، علته كذا وكذا، حتى أحاديث مشهورة يقول: غلط فيها فلان.